لماذا نحفظ القرآن؟
هناك أسباب كثيرة تدعونا إلى الاهتمام بحفظ القرآن الكريم؛ فالمؤمن إذا قرأ القرآن زاد إيمانه بتلاوته، (وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا) [الأنفال: 2]، وإذا حفظ منه شيئاً فأتقنه استبشر وفرح، وتأثر بما فيه من الموعظة، وعمل بما أفاده من العلم، إضافة إلى فوائد أخرى كثيرة، منها:
١- التأسِّي بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فقد كان يَحفظه ويُديم تلاوته، ويَعرضه على جبريل -عليه السلام- في كلِّ عام مرة، وفي السنة التي توفِّي فيها، عرَضه عليه مرتين، كما في الصحيحين عن فاطمة رضي الله عنها.
٢- أن حفظ القرآن ودراسته مقدم على سائر العلوم؛ قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله: (طلبُ العلم درجات ومناقل، ورُتَبٌ لا ينبغي تعدِّيها، ومَن تعدَّاها جُملة، فقد تعدَّى سبيل السلف -رحمهم الله- فأوَّل العلم حِفظ كتاب الله -عز وجل- وتفهُّمه).
٣- حِفظ القرآن في الصدور سبب من أسباب حفظ القرآن من عبث العابثين والأعداء الذين يحاولون النيل من كتاب الله تعالى بالتحريف والزيادة والنقصان، ولن يستطيعوا، كما أنه من خصائص هذه الأُمة؛ يقول ابن الجزري رحمه الله: “إن الاعتماد في نَقْل القرآن على حفظ القلوب والصدور، وهذه أشرف خصيصة من الله تعالى لهذه الأُمة”.
ومن فضل الله تعالى على الأمة في هذا الباب أنه سبحانه جعل حفظه مُيسَّرا للناس كلهم، قال القرطبي في قول الله تعالى: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [القمر: 17]؛ (أي: سهَّلناه للحفظ، وأعنَّا عليه مَن أراد حفظَه؛ فهل من طالب لحفظه، فيُعان عليه؟).
٤- أنَّ حفظ القرآن وتعلُّمه خيرٌ من متاع الدنيا؛ فحين يَفرح الناس بالدرهم والدينار، ويَحوزونهما إلى رِحالهم، فإن حافظ القرآن وقارئَه، يَظفر بخيرٍ من ذلك وأبقى، فها هو – صلى الله عليه وسلم – يَخاطب أهل الصُّفَّة قائلاً: “أيُّكم يحبُّ أن يغدو كلَّ يوم إلى بُطحان، أو إلى العقيق، فيأتي منه بناقتين كَوْماوَيْن في غير إثمٍ ولا قَطْع رَحمٍ؟”، فقالوا: يارسول الله، نحب ذلك، قال: “أفلا يَغدو أحدُكم إلى المسجد، فيَعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله -عز وجل- خيرٌ له من ناقتين، وثلاث خيرٌ له من ثلاث، وأربع خيرٌ له من أربع، ومن أعدادهنَّ من الإبل”. [رواه مسلم]، وقد كانت الإبل أنفَس أموال العرب.
٥- أن حافظ القرآن من أهل الله تعالى وخاصته، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إنَّ للهِ أهلين من النَّاسِ، قالوا: من هم يا رسولَ اللهِ؟ قال: أهلُ القرآنِ هم أهلُ اللهِ وخاصَّتُه”. [صحيح ابن ماجه]، والمعنى أن حفظة القرآن العاملين به هم أولياءُ اللهِ الَّذين اختَصَّهم بمحبَّتِه، والعنايةِ بهم.
٦- أن في حفظ القرآن رِفعة في الدنيا والآخرة؛ ففي الحديث: “إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا، ويضع به آخرين”. [رواه مسلم].
٧- في حفظ القرآن الكريم فوز بشفاعته لصاحبه، كما في الحديث: “الصِّيامُ والقرآنُ يشفَعانِ للعبدِ يومَ القيامةِ، يقولُ الصِّيامُ أي ربِّ منعتُهُ الطَّعامَ والشَّهواتِ بالنَّهارِ فشفِّعني فيهِ، ويقولُ القرآنُ منعتُهُ النَّومَ باللَّيلِ فشفِّعني فيهِ قالَ فَيشفَّعانِ”. [رواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط مسلم].
٨- في حفظ القرآن الكريم رفعة في درجات الجنات؛ فعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يُقال لصاحب القرآن: اقرَأ وارقَ ورتِّلْ، كما كنت ترتِّل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرَأ بها” [صحيح الترمذي]، قال ابن حجر الهيتمي: (الخبر خاص بمَن يَحفظه عن ظهر قلب، لا بمَن يقرَأ بالمصحف؛ لأن مجرَّد القراءة في الخط لا يختلف الناس فيها، ولا يتفاوَتون؛ قلَّةً وكثرة).
٩- حافظ القرآن مع السَّفرة الكرام البَررة؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: “الْماهِرُ بالقُرْآنِ مع السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ، والذي يَقْرَأُ القُرْآنَ ويَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وهو عليه شاقٌّ، له أجْرانِ”. [رواه مسلم].
١٠- مما لا شك فيه أن القرآن الكريم هو أعظم أسباب صلاح القلوب وشفائها من عللها وأمراضها، قال الله تعالى: (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ) [فصلت: 44].
وإن كان من الناس مَن يستحق الغِبْطة وأن يتأسى به الناس ويفعلوا كفعله، فأولاهم بذلك حافظ القرآن القائم بحقه وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لا حسدَ إلا في اثنتين: رجَل عَلَّمه الله القرآن، فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، فسَمِعه جارٌ له، فقال: ليتني أُوتيتُ مثل ما أُوتِي فلان، فعَمِلت مثلما يَعمل، ورَجُلٌ آتاهُ اللَّهُ مالًا فَهو يُهْلِكُهُ في الحَقِّ، فقالَ رَجُلٌ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ ما أُوتِيَ فُلانٌ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ ما يَعْمَلُ.” [رواه البخاري].
فبادر وجد واجتهد في حفظ القرآن لتفوز بهذه الفضائل، واعلم أن جهدك لن يضيع منه مثقال ذرة؛ فإنك إذا حفظت كان خيرا، وإن قرأت وجاهدت فحفظت بعض القرآن ولم تتمه فإن الله تعالى يكتب لك أجر قراءتك ويضاعفه لك، فيا بشراك.
[منقول باختصار وتصرف من موقع إسلام ويب]